مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه
للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة
24/05/2025
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، تحية طيبة وبعد،
يشرّفني أن أكون هنا في مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه.
واليوم نجتمع في منطقة يتقاطع فيها تاريخ المياه مع تاريخ الحضارة. فهنا، أفضت الأنهار إلى ظهور الزراعة والأغذية والتجارة والثقافة.
وفي العراق، تنطوي المياه على إرث تاريخي. فقد كانت بلاد الرافدين - بلاد ما بين النهرين - مهد الحضارات القديمة، مثل سومر وبابل.
وإنّ نظم إدارة المياه، مثل قنواتها المائية، تُعزّز هوية العراق، ويُحتفى بها في الفنون والأدب والنصوص الدينية.
والماء حاضر في الشعر والتراث الشعبي العراقيين، حيث يُصوَّر كمصدر للحياة ورمز للصمود، كما أن المهرجانات السنوية، مثل مهرجان التمور الذي يقام في مدينة البصرة وقت حصاد التمر، تذكّر بالجذور الزراعية للبلاد.
ويعتمد قطاع الزراعة في العراق - والأمن الغذائي للبلاد- اعتمادًا كبيرًا على المياه، إذ تُستخدم أكثر من 90 في المائة من مياه البلد لأغراض الري، ممّا يدعم زراعة الأغذية الأساسية، مثل القمح والشعير والأرز ونخيل التمور.
واليوم، لم يَعد الماء مجرد فصل من فصول التاريخ، بل أصبح شريان الحياة لمستقبلنا.
وفي جميع أنحاء العالم، تتعرض المياه للضغط.
فالطلب على المياه في تزايد، وتشتّد حدة موجات الجفاف، ويحتدم التنافس على هذا المورد الأساسي.
وفي منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة)، ارتقينا بالمياه لتصبح أولوية استراتيجية لأننا ندرك قدرتها على إحداث تحولات.
فالمياه هي جوهر النظم الزراعية والغذائية - وهي تدعم أغذيتنا ومحاصيلنا، وتُغذي ثروتنا الحيوانية، وتدعم ملايين سبل كسب العيش.
ولهذا السبب، نعقد منذ عام 2022 حوار روما بشأن المياه، وهو منصة تتبادل فيها البلدان الحلول العملية والتجارب الناجحة.
وفي عام 2023، أقرّ المؤتمر الوزاري للمنظمة المياه باعتبارها موضوع فترة السنتين للمنظمة للفترة 2023-2025، وهو اعتراف من الأعضاء بإدراك وزراء الزراعة للدور الهام للمياه.
وفي هذا العام، فيما نحتفل بالذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، نحتفي بالحلول المبتكرة للمياه من جميع أنحاء العالم في حوار روما المقبل بشأن المياه الذي سيعقد خلال دورة منتدى الأغذية العالمي لعام 2025 المقرر انعقاده في أكتوبر/تشرين الأول.
حضرات السيدات والسادة،
تتطلّب معالجة ندرة المياه والجفاف نُهجًا متكاملة وقائمة على أسس علمية.
وعندما ألقيتُ كلمة في مؤتمر المياه في عام 2021، سلّطتُ الضوء على إمكانات التكنولوجيات المبتكرة في التصدي لتحديات المياه، ليس من خلال التكنولوجيا فحسب، بل أيضًا من خلال تمكين البلدان والمزارعين.
وهنا في العراق، تفخر المنظمة بدعم كفاءة استخدام المياه من خلال برنامج "WaPOR (بوابة ﺇﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ)" - وهو بوابة مفتوحة ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ تستخدم الاستشعار عن بُعد لمساعدة المزارعين على استخدام المياه بكفاءة أكبر.
وفي منطقة الري الواقعة في غرب الغراف، نعمل مع وزارة الموارد المائية لتحسين استخدام المياه وزيادة الغلة.
وفي العام الماضي، دعمت المنظمة العراقَ في تأمين مشروع بقيمة 39 مليون دولار أمريكي بتمويل مشترك من الصندوق الأخضر للمناخ من أجل تحديث نظم الري، وتعزيز جمعيات مستخدمي المياه، وتشجيع الممارسات الزراعية القادرة على الصمود في وجه المناخ، ووضع سياسات لإدارة المياه والطاقة تتسم بالفعالية والكفاءة.
والعراق ليس وحيدًا في هذا السياق. فهذه المنطقة مهدٌ لحلول وتكنولوجيات مبتكرة في مجال المياه، ونحن نشهد تقدّمًا ملحوظًا في جميع أنحاء المنطقة:
ففي تونس، تُساعد أدوات الاستشعار عن بُعد لبوابة ﺇﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ المزارعين على تنظيم الري بدقة أكبر.
وفي جمهورية مصر العربية، يُتيح الري بالطاقة الشمسية الحصول على المياه بأسعار معقولة وبشكل مستدام.
وفي المغرب، تُعزّز النظم الجماعية للري الدقيق كفاءة استخدام المياه وجودة المحاصيل.
ولكن لا يمكننا التوقف هنا!
فندرة المياه والصدمات المناخية في تزايد. وعلينا أن نتحرك بسرعة وفعالية وحزم.
أوّلًا، يجب ضمان أن تكون تكنولوجيات المياه ميسورة التكلفة ومن السهل الحصول عليها.
ثانيًا، يجب علينا تعزيز القدرات المحلية وتمكين المزارعين - ولا سيما الشباب والنساء.
ثالثًا، يجب علينا توسيع نطاق الإجراءات الناجحة، من الري الذكي إلى الطاقة المستدامة، بواسطة التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي، وبرنامجنا المبتكر الخاص بالمدارس الحقلية للمزارعين، وغيره من برامج المعرفة والتدريب.
والمنظمة ملتزمة بمواصلة تقديم البيانات الموثوقة، والخبرة الفنية، وإقامة الشراكات الاستراتيجية.
الصديقات والأصدقاء الأعزّاء،
بدون إدارة مستدامة للمياه، يُخاطر العراق بفقدان ما بين 20 و50 في المائة من محصول القمح والشعير بحلول عام 2050، ممّا سيزيد من اعتماده على الأسواق العالمية المتقلّبة.
ويهدّد اختفاء الموارد المائية بمحو التقاليد العريقة، وتهجير مجتمعات محلية، وقطع الروابط التي تربط هذه المجتمعات بالمناظر الطبيعية التي تشكّلت على مر القرون.
والماء مسألة وجودية بالنسبة إلى العراق، فهو حلقة الوصل بين بقاء البلاد وهويتها وسيادتها.
إنه تراث يجب الحفاظ عليه للحفاظ على إرث العراق التاريخي وتماسكه الاجتماعي.
ومعًا، يمكننا دعم الفئات الأشد حرمانًا لتحقيق الأفضليات الأربع: إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل، من دون ترك أي أحد خلف الركب.
وشكرًا على حسن إصغائكم.