المدير العام شو دونيو

جائزة الغذاء العالمية لعام 2024 كلمة رئيسية خلال حوار Norman E. Borlaug الدولي: من علم الوراثة إلى الجيل القادم: ما الذي يحمله المستقبل للنظم الزراعية والغذائية وثقافة الأغذية

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

29/10/2024

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

سعادة السفير Terry Branstad، رئيس مؤسسة جائزة الغذاء العالمية،

الزملاء والأصدقاء الأعزاء،

أودّ أن أستهل كلمتي بتوجيه تهانيّ الحارة إلى الدكتور Cary Fowler والدكتور Geoffrey Hawtin على مساهماتهما العظيمة في مجال الموارد الوراثية (بنوك الجينات وصون التنوع البيولوجي)، وهما موظفان سابقان في منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة)! فنحن نشعر بفخر عظيم لفوزكما بجائزة الغذاء العالمية لعام 2024!

إنّه لشرف كبير لي أن أقف هنا اليوم في أيوا، التي هي معقل الولايات المتحدة للزراعة ونظامها الغذائي، لتخليد ذكرى الدكتور Norman Borlaug مرة أخرى. وبصفتي عالِمًا مزاملًا في مجال تربية النباتات، أشعر بتواصل شخصي عميق مع إرث الدكتور Borlaug. فعمله يجسّد بالفعل صميم ماهيّتنا، وبخاصة من منّا يفهم لغة الأجيال المعنية بالأرض وعلم الوراثة وتربية النباتات. أولئك منّا الذين يعرفون أن التربة تحت أقدامنا تحمل آمال حصاد المستقبل في ظل التحسين الوراثي الجديد.

وأود أن أعرب عن تقديري العميق لمنظمّي هذا الحدث الهام وعن خالص امتناني لأسرة الدكتور Norman E. Borlaug ومتابعيه. إنّ تفانيكم يضمن بقاء إرثه مصدر إلهام عبر القارات والأجيال.

فقد جلب عمله الأمل للعديد من البلدان، وأثّر بالمجتمعات المحلية وولّد تناغمًا يتردّد صداه عبر الأجيال. واليوم، لا نجتمع لتكريم ذكراه فحسب، إنّما لنواصل أيضًا المهمة التي بدأها- ألا وهي مكافحة الجوع وتغذية الأرض وبناء مستقبل أفضل للجميع.

حضرات السيدات والسادة،

إننا نقف اليوم عند فجر حقبةٍ جديدة. والتحديات التي نواجهها الآن - أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وازدياد انعدام الأمن الغذائي - تتطلب حلولًا تتخطّى حدود العلم والابتكار. وهنا يكمن دور الثورة الوراثية.

فالثورة الوراثية تعني أكثر من زيادة الغلاّت- إذ تركّز على استكشاف الحلول للمقاومة الأحيائية واللاأحيائية والحفاظ على تنوع الجينوم الحيوي، وهي عوامل أساسية للتنوع الغذائي.

كما تتسم حماية التنوع البيولوجي الوراثي بأهمية رئيسية في بناء نظم زراعية وغذائية قادرة على الصمود. ومن خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز تنوّع المحاصيل، نحافظ على التنوع البيولوجي الأساسي ونستفيد من بالتنوع الغذائي.

كما أن التقدم في علم الوراثة يحسّن الفعالية في مجال تطوير محاصيل جديدة. وتقوم تكنولوجيا التحرير الجيني بتسريع وتيرة عملية التربية إلى حدٍّ بعيد. فهي أسرع من طرق التربية التقليدية. كما أنها تحسّن القدرة على مقاومة الآفات والأمراض وعوامل الإجهاد البيئية. وهذا يشمل القدرة على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة وموجات الجفاف والفيضانات والملوحة، وغيرها من العوامل.

وقد تساهم هذه التطورات في مجال التحرير الجيني في أكثر من مجرد تحسين غلات المحاصيل؛ فهي قد تقرّب أيضًا المسافات بين الشعوب والثقافات.

وبالفعل، من خلال الحفاظ على الخصائص الفريدة للأغذية المحلية والأصلية وتعزيزها، يمكن أن يساعد التحرير الجيني في حماية تراثنا الغذائي المتنوّع. وتضمن هذه الابتكارات ازدهار المحاصيل التقليدية، المترسخة منذ زمن بعيد في الثقافات الغذائية المحلية، في عالم متغيّر يرزح تحت الضغوطات.

ويصبح بذلك التحرير الجيني جسرًا بين الماضي والمستقبل، يربط بين الثقافات الغذائية ويحفّز القدرة المشتركة على الصمود في وجه التحديات العالمية.

وسوف تضطلع الشواغل والأنظمة الأخلاقية بدورٍ حاسم في إدارة تكنولوجيا التحرير الجيني. وإذا ما جرت معالجة هذه الشواغل على النحو الملائم من خلال مشاوراتٍ ومشاركة واسعة، يمكن أن تساهم هذه التقنيات الجينومية الجديدة في التحوّل الضروري للنظم الزراعية والغذائية العالمية لكي تصبح أكثر كفاءةً وشمولًا وقدرة على الصمود واستدامة.

وتجلّى أحد أهمّ الأمثلة عن التربية في الماضي في تطوير أصناف القمح شبه القزم وأصناف الأرزّ القزم، التي تمّت تجربتها في الستينيات من القرن الماضي خلال الثورة الخضراء. وهذه الأصناف ذات الغلاّت العالية والمقاوِمة للأمراض، التي جرى استنباطها من خلال التربية الانتقائية، حوّلت النظم الزراعية والغذائية وأنقذت مليارات الأشخاص من الجوع.

وما يزال إرث عمل الدكتور Borlaug في المكسيك وباكستان والهند، إلى جانب الإنجازات العظيمة التي حقّقها كل من البروفسور Yuan Longping في مجال الأرزّ الهجين في الصين وخارجها والدكتور Swaminathan في مجال القمح والأرزّ في الهند، يشكل مصدر إلهام لنا اليوم. ولا تزال هذه المبادئ ذاتها في مجال التحسين الوراثي والتنوّع الوراثي توجّه الابتكارات في النظم الزراعية والغذائية.

ونحن ملتزمون، في منظمة الأغذية والزراعة، بتعزيز صون الموارد الوراثية واستخدامها المستدام. كما أنّنا نوفّر منصة من خلال منتدى العلوم والابتكار في إطار منتدى الأغذية العالمي السنوي - الذي عُقد بنجاح للسنة الرابعة على التوالي قبل بضعة أسابيع- وأفسح المجال لأعضائنا وشركائنا لمناقشة منافع جميع التكنولوجيات المتطورة ومخاطرها.

ومن خلال تسخير هذه الابتكارات، نضمن تنوّع المحاصيل والثروة الحيوانية والأسماك، وبالتالي تنوّع الأغذية، في حين نتصدى للتحديات العالمية المتمثلة في تغير المناخ والأمن الغذائي والبيئة.

ولا تشكل الممارسات الزراعية التقليدية خزّانًا للتنوع الوراثي فحسب، إنّما هي أيضًا نافذة لإنسانيتنا. وتخبرنا هذه الممارسات الكثير عن الأشخاص الذين نعمل معهم، من حيث فرص التغيير والحواجز في وجه الاستفادة من الابتكارات. فهذه الممارسات التقليدية مترسخة في الثقافة وتساهم بقوة في الأعراف الاجتماعية التي توجّه العديد من قراراتنا وإجراءاتنا ككائناتٍ اجتماعية.

وبالفعل، كلّما اطّلعنا أكثر على المعرفة التقليدية، كلما فَهِمنا بشكل أفضل كيف يمكن أن يُنظر إلى الممارسات الجديدة. ومن خلال استخدام العلوم السلوكية، يمكننا تكوين فكرة عن مدى تواؤم أهداف المجتمع المحلي مع الابتكارات. ومن خلال العمل مع الشركاء، يمكننا التعاون لاستحداث ممارساتٍ جديدة بطرق تقلّل إلى أدنى حدٍّ ممكن المقايضات والتوترات الاجتماعية والسلوكية.

ونحن نؤمن أيضًا، في المنظمة، بقوة الاستشراف- ليس فقط كأداةٍ لتحليل البيانات إنما أيضًا كجسرٍ نعبره للوصول إلى المجهول. فنربط النقاط حيث تفشل البيانات ويعجز التاريخ، عبر استخدام الذكاء الجماعي لدى العلماء والخبراء والشركاء من أجل تصوّر مستقبل محفوف بالمخاطر وواعد على حدٍّ سواء. ويسمح لنا الاستشراف باستباق المشاكل المستقبلية والعمل بشكل تعاوني لإيجاد الحلول، بما يضمن أن تكون الزراعة مهيأة للمشهد العالمي المتغيّر.

وإضافةً إلى التكنولوجيا، يجدر بنا أن نستثمر أيضًا في رأس المال البشري والاجتماعي. ويجدر بنا أن ننمّي ثقافة التفكير الاستباقي والتصميم الاستراتيجي في صفوف العلماء وواضعي السياسات والمستثمرين والمزارعين (المنتجين).

حضرات السيدات والسادة،

في وقتٍ سابق من الشهر الحالي، وبمناسبة يوم الأغذية العالمي، أطلقنا العد التنازلي 80-1 على مدار سنة كاملة وصولًا إلى الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة في عام 2025. وترمي هذه المبادرة إلى إلهام العمل والاحتفاء بالمحطات البارزة التي بلغناها على مستوى تحسين الأمن الغذائي العالمي خلال العقود الثمانية الماضية. لكن فيما نمعن النظر في الماضي، يجدر بنا أن ننظر أيضًا إلى المستقبل.

وفي العام المقبل، أدعو بكل صدق سعادة السفير Branstad وزملاء آخرين إلى الانضمام إلينا في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025، للاحتفال بهذا المعلم البارز عبر تدشين متحف وشبكة المنظمة للأغذية والزراعة. وبدعم من الحكومة الإيطالية، وفي ظل مشاركة رئيس إيطاليا شخصيًا، سوف يشكّل هذا المتحف مساحةً تفاعلية ورقمية للطلاب والأسر والزائرين من أنحاء العالم كافة، وسيكون موصولًا بشكل رقمي بجميع المستهلكين. كما أنه سيربط بين التكنولوجيات الزراعية العالمية والثقافات، فيعرض التقاليد الغنية والنُهُج المبتكرة التي رسمت ملامح قصة النظم الزراعية والغذائية على مرّ الزمن.

وسوف يجسّد كذلك متحف وشبكة الأغذية والزراعة تطلعات المنظمة من خلال الأفضليات الأربع - إنتاج أفضل وتغذية أفضل وبيئة أفضل وحياة أفضل، من دون ترك أي أحد خلف الركب- المترسخة في الإطار الاستراتيجي للمنظمة للفترة 2022-2031 من أجل توجيه عملنا خلال العقد المقبل.

وسيشكل مساحةً لتشاطر المعرفة، وتقاليد الطهي، وتكوين فهم أعمق لكيفية دعم الابتكارات، مثل التحرير الجيني، للتنوّع الغذائي والاستدامة مع احترام في الوقت ذاته التراث الثقافي. وستمثل الشبكة مركزًا عالميًا للتعاون والحوار بين أعضاء المنظمة وشركائها، من خلال تحفيز الشراكات عبر الأقاليم والأمم والسكان المحليين والقرى والمجتمعات المحلية للشعوب الأصلية.

وسوف يحظى الأعضاء والشركاء بمنصة مبتكرة لعرض ثقافاتهم الغذائية المحلية وابتكاراتهم الزراعية، بما يعزّز التزام المنظمة بالتنوّع والشمول، من المجتمعات المحلية الريفية إلى المراكز الحضرية. ومن خلال الربط بين أفضل الممارسات، سوف يبيّن المتحف والشبكة كيف يمكن أن توجّه النظم الزراعية والغذائية التنمية المستدامة وتكافح الجوع في العالم عن طريق الأفضليات الأربع للمنظمة.

حضرات السيدات والسادة،

يعتمد مستقبل النظم الزراعية والغذائية والتنمية الريفية علينا جميعًا. فالبذور التي نزرعها اليوم سوف تحدد ملامح عالم الغد. ومن خلال العمل معًا، وتحفيز الابتكار وتكريم تراثنا الثقافي، يمكننا إقامة مستقبل أفضل للجميع، لكل واحد منا وفي كل مكان. فالعلوم والابتكارات يجب أن يجري تطويرها معًا وأن يقوم الجميع بتشاطرها.

فدعونا نواصل زرع بذور الأمل والشغف، كما فعل في الماضي الدكتور Norman Borlaug. معًا، يمكننا أن ننمّي مستقبلًا يسوده إنتاج أفضل وتغذية أفضل وبيئة أفضل وحياة أفضل للجميع، وإرث ثقافي مترابط، بما يضمن هندسةً وراثية أفضل للأجيال القادمة.

وشكرًا لكم على حسن إصغائكم.