الجنسانية

العمالة الريفية والمنظور الجنساني والفقر

كثيراً ما يدفع الفقر النساء إلى العمل غير الزراعي، مما قد يحدث اختلافا جوهرياً في وضع الفقر في أسرهن. أما إلى أي مدى تستفيد المرأة من ذلك، فهو أمر يعتمد على الكيفية التي يتوزع بها دخلها الجديد

العمال يجمعون الشاي من منحدرات جبل جولبارا في إندونيسيا [المنظمة/J. Micaud]

11/11/2009

بقلم Marzia Fontana (مع Cristina Paciello)

لعلاقات بين العمالة والفقر وعدم المساواة بين الجنسين هي علاقات معقدة وتحتاج إلى فهم كيفية التفاعل بين ديناميات الأسرة وعمليات سوق العمل. وتسير العلاقة بين الفقر وعمالة المرأة في الاتجاهين معاً. فالفقر قد يدفع المرأة إلى العمل - وهو ما يسمى "ببيع العمل تحت الضغط"، وهو عمل يكون في أغلب الأحيان غير رسمي بأجرٍ زهيد. ومن الناحية الأخرى، فإن دخل المرأة من عملها يحدِث في أغلب الأحيان اختلافاً جوهرياً في وضع الفقر في أسرتها.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الحالة الفردية للمرأة المعنية تتحسن، لأن دخل الأسرة قد لا يتوزع بحسب مقدار الوقت الذي يساهم به كل فرد من أفرادها في الحصول على هذا الدخل. وينبغي إيلاء اهتمام للفصل بين تأثيرات دخل الفرد ومتوسط دخل الأسرة، الذي قد يختلف بسبب عدم المساواة في توزيع الحقوق والموارد والوقت بين الجنسين. فسياسات العمالة الريفية والتنمية ينبغي أن تولى الاهتمام اللائق بوضع المرأة التفاوضي سواء في داخل الأسرة أو في سوق العمل. فالفقر يرتبط بضعف المساهمة في كليهما.

محدودية الخيارات المتاحة

في معظم البلدان النامية، تلجأ المرأة في أغلب الأحيان إلى العمل بأجر بسبب أزمات اقتصادية أو صعوبة الظروف التي تمر بها الأسرة، مثل الانفصال أو الترمل. ويبدو العمل الزراعي المؤقت في أغلب الأحيان هو الخيار الوحيد المتاح للعمل أمام فقيرات الريف (أكثر منه لفقراء الريف من الرجال). ونظراً لكثرتهن في عددٍ محدود من الأعمال وعدم امتلاكهن للأصول اللازمة لبدء أي عمل، فإن النساء الفقيرات يدخلن عملية المساومة مع أصحاب العمل من موقف ضعيف. وقد يرغمهن هذا الضعف على أن يبعن مجهودهن بأجور أقل من أجور السوق بكثير.

وتعزز الشواهد الآتية من أفريقيا الجنوبية هذه الأنماط. ففي موزامبيق، نجد أن نسبة كبيرة من العاملات بأجر هن اللائي يرأسن أسرهن. وقد أوضحت المقابلات المتعمقة أن الأرامل أو المطلقات يواجهن صعوباتٍ أكثر في الحصول على عملٍ لائق. فموقفهن الضعيف عند المساومة يعني أن عليهن في أغلب الأحيان قبول أجور غير قانونية وأن يتلقين مزايا أقل، إن كانت هناك مزايا على الإطلاق. وتبين الشواهد الآتية من جنوب آسيا أن لدى المرأة الريفية من الأسر الفقيرة فرصةً أكبر في الحصول على عمل بأجر، أكثر مما لدى النساء من الأسر الغنية. ففي باكستان، على سبيل المثال، تشكل النساء من الأسر المعدمة أو من الأسر التي تعيش على نظام المزارعة، نسبة عالية في المشاركة في العمالة الزراعية بأجر ويعملن لساعات أطول من نساء الأسر التي تملك أراضٍ.

والدخل الذي تحصل عليه المرأة من عملها قد يشكل اختلافاً جوهرياً في وضع الفقر في أسرتها. فقد تبين من دراسةً تكثر الإشارة إليها في غانا وأوغندا، أن معدلات الفقر في الأسر التي ترأسها نساء يعملن في أنشطة غير زراعية يتراجع بأسرع مما تتراجع به معدلات الفقر في الأسر الأخرى. ففي غانا، على سبيل المثال، تراجع الفقر بنسبة 37 في المائة في الأسر التي ترأسها نساء يجمعن بين العمل الزراعي وغير الزراعي، مقابل 14 في المائة فقط في الأسر التي يرأسها رجال في ظروف مماثلة، خلال الفترة الواقعة بين عامي 1987 و1992.

وكشفت الدراسة عن أن النساء في غانا يشاركن في الأنشطة غير الزراعية بأكثر من الأنشطة الزراعية، بينما يحدث العكس في أوغندا. ويرتبط ارتفاع نصيب العمل غير الزراعي الذي تمارسه النساء بارتفاع دخل الأسرة الكلي في البلدين. وهو ما يوحي بأن قدرة المرأة على الخروج من نطاق الزراعة قد يكون طريقاً فعالاً للخروج من الفقر. ولكن هذه النتائج ينبغي أن تؤخذ بحذر حيث أن الوقت الذي جرى فيه تحليل هذه التغييرات كان وقتاً قصيراً (كما أن الدراسة قديمة للغاية).

وتوصلت دراسة أخرى أجريت في فييت نام إلى نتائج مماثلة. فقد ارتبطت قدرة المرأة الريفية على الخروج بعملها من الزراعة ارتباطاً قوياً برفاه الأسرة يفوق ارتباطها بخروج الرجال من هذا العمل. كما أن التنوع في الأنشطة غير الزراعية، وليس الخروج من العمل الزراعي في حد ذاته، يفسر ارتفاع مستويات دخل الأسرة. كما توحي الدراسة بأنه، رغم الساعات الطويلة التي تقضيها المرأة في العمل المنزلي ورعاية الأطفال، فإن العائد الحدي لأنشطتها غير الزراعية كانت مشابهة لمثيلتها عند الرجال.

ارتفاع الدخل وانخفاض وزن الجسم

إن كل هذه النتائج ترتبط بظروفها تماماً ومازال الأمر بحاجةٍ إلى أدلة أكثر وأقوى لمساندتها. فالعمل الريفي غير الزراعي قد يكون متنوعاً للغاية، كما أن النساء من أفراد أشد الأسر فقراً يفتقرن إلى الموارد اللازمة للمشاركة في الأنشطة الأكثر ربحاً. وعندما يزيد دخل الأسرة نتيجة عمل المرأة بأجر، فإن هذا لا يعني بالضرورة تحسن الوضع الشخصي للمرأة المعنية في الوقت نفسه

وكمثال، فقد أوضحت دراسة أجريت في كينيا أن زيادة مشاركة المرأة في إنتاج السكر جلبت مكاسب كبيرة في الدخل الكلي للأسرة وفي استهلاكها للأغذية. ولكن، التحكم المباشر للمرأة في الدخل الآتي من المحصول النقدي الجديد كان أقل من مثيله عند الرجل. فقد ارتبطت الزيادات في دخل المرأة بانخفاض مؤشر كتلة الجسم، لأن العمل الإضافي والطاقة الكبيرة التي تبذلها المرأة في عملها تفوق الزيادة التي تحصل عليها من السعرات الحرارية.

أما بالنسبة لتأثير ذلك على أفراد الأسرة الآخرين، فإن هناك شواهد جديدة تبين أن حصول المرأة على موارد اقتصادية يزيد من الجزء الذي تنفقه الأسرة على "السلع العامة" الأكثر فائدة لرفاه الأسرة (ولاسيما رفاه الأطفال) بأكثر من الدخل الذي يحصل عليه الرجل. ولكن تأثير حصول المرأة على فرصة عمل بمقابل أو بأجر أمرٌ معقد للغاية نظراً لوجود تأثيرين متعارضين له: فهناك تأثير ايجابي بسبب زيادة دخل الأسرة المرتبط بعمل الأم مقابل أجر، وتأثير سلبي بسبب احتمال تناقص الوقت الذي تخصصه للعمل المنزلي ورعاية الأطفال. وتوحي هذه الاعتبارات بضرورة إيلاء اهتمام بنوع الوظيفة التي تحصل عليها المرأة ومدى صعوبة العمل.