مخاطر إنتاج الوقود الحيوي السائل على الأمن الغذائي
العلاقة البينية المعقدة بين الطاقة الحيوية والأمن الغذائي، والتحديات التي يمثلها الطلب المتنامي على الأغذية والوقود في عالمٍ يتزايد فيه ضغط الكربون
البرازيل: إنتاج قصب السكر لتصنيع الايثانول [المنظمة/G. Bizzarri]
بقلم Andrea Rossi وYianna Lambrou
إن الطلب العالمي المتنامي على أنواع الوقود الحيوي السائلة قد يؤثر على ثلاثة أبعاد للأمن الغذائي، هي: توافر الوقود والحصول عليه واستقراره. فالمزارع الشاسعة لإنتاج الوقود الحيوي السائل، بما تحتاجه من مدخلات كثيرة، قد تحول الأراضي والموارد الأخرى مثل المياه، بعيداً عن المحاصيل الغذائية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المزارع، نظراً لربحيتها الوفيرة، قد تقوم على أراضي جيدة للغاية، الأمر الذي يقلل من توافر مثل هذه الأراضي لزراعة المحاصيل الغذائية أو المحاصيل المعيشية.
ولاشك أن الفقدان المحتمل للتنوع البيولوجي الزراعي يشكل تهديداً خطيراً لمعيشة سكان الريف وللأمن الغذائي في المدى البعيد. كما أن إنتاج الوقود الحيوي السائل قد يكون له تأثيره السلبي على قطاع الثروة الحيوانية، الذي يمثل عنصراً رئيسياً للأمن الغذائي للأسر الريفية، بما سيحدثه من نقص في مساحات أراضي الرعي ومن زيادة في أسعار الأعلاف بسبب الزيادة في استخدام السلع الزراعية في إنتاج الوقود الحيوي السائل. وقد يكون لكل هذه العوامل مجتمعه، تأثيراً سلبياً على توافر الأغذية نفسها.
وفي نفس الوقت، فإن إنتاج الوقود الحيوي السائل له تأثيره على فرص الحصول على الأغذية. فالصناعة الناشئة لإنتاج الوقود الحيوي السائل هي صناعة جديدة ومصدر للطلب الذي يزيد بسرعة على السلع الزراعية مثل قصب السكر، والذرة، والبذور الزيتية، وزيت النخيل، والكسافا. وقد ساهم ذلك، مع بعض العوامل الأخرى مثل زيادة السكان والدخل، والظروف الجوية المعاكسة، والحواجز التجارية الجديدة أو الإضافية، والقيود على الصادرات، في ارتفاع أسعار الأغذية. وقد حاولت بعض الدراسات قياس تأثير إنتاج الوقود الحيوي السائل على أسعار الأغذية، لتصل إلى نتائج مختلفة. فطبقاً لتقديرات المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية فإن الزيادة التي حدثت في الطلب على أنواع الوقود الحيوي في الفترة الواقعة من عامي 2000 و2007، ساهمت بنسبة 30 في المائة من زيادة أسعار الحبوب، محسوبة بالمتوسط المرجح.
ارتفاع أسعار الأغذية والأعلاف والوقود
من المتوقع أن يزيد الطلب في المستقبل بسرعة على السلع الزراعية من أجل الأغذية والأعلاف، والوقود بشكلٍ خاص. فطبقاً لتقديرات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي/المنظمة الدولية للطاقة، فإن الفترة الواقعة بين عامي 2008 و2017، سوف تشهد تحول 20 في المائة من إنتاج العالم من الزيوت النباتية و13 في المائة من إنتاج العالم من الحبوب الخشنة إلى إنتاج الوقود الحيوي السائل، بعد أن كانت هذه النسبة 8 في المائة فقط في عام 2007. أما بالنسبة لتأثير أنواع الوقود الحيوي السائل على أسعار الأغذية في المستقبل، فإن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية يتوقع أن ترتفع الأسعار الحقيقية للبذور الزيتية والذرة بنسبة 18 في المائة و26 في المائة على التوالي في عام 2020 عما كانت عليه في التصور الخاص بإنتاج الوقود الحيوي السائل في عام 2007. أما توقعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي/المنظمة الدولية للطاقة، فإنها تشير إلى أن التدابير الحالية لدعم الوقود الحيوي وحدها ينتظر أن تزيد من متوسط أسعار الزيوت النباتية بنحو 19 في المائة، والذرة بنحو 7 في المائة، والقمح بنسبة 5 في المائة خلال الفترة الواقعة بين عامي 2008 و2017.
ويمثل ارتفاع أسعار الأغذية فرصة للبلدان النامية المصدرة للأغذية، التي تستطيع أن تزيد من إيرادات صادراتها. وبالمثل، فعلى مستوى الأسرة، فإن المنتجين الصافين للأغذية سوف يستفيدون من ارتفاع أسعار هذه الأغذية، من خلال التأثير الإيجابي للدخل، الأمر الذي قد يسفر عن زيادة فرص حصول هذه الأسر على الأغذية.
ولكن 43 دولة من بين أقل البلدان نمواً البالغ عددها 52 بلداً، هي مستورد صاف للأغذية. فالزيادات الكبيرة في أسعار الأغذية تهدد الميزان التجاري، بل وبشكلٍ عام، استقرار الاقتصاد الكلي والنمو الاقتصادي العام لهذه البلدان، التي ستصارع لسد الطلب المحلي على الأغذية. فطبقاً لتوقعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي/منظمة الأغذية والزراعة، فإن هذه البلدان سوف تتعرض للخطر بصورةٍ متزايدة كما ستتعرض لاضطرابات في إمداداتها من الأغذية، بسبب ارتفاع أسعار السلع والتقلبات الشديدة في هذه الأسعار.
وحيث أن أي زيادات في أسعار الأغذية تنتقل من الأسواق العالمية إلى الأسواق المحلية، فإن الأسر التي تعتبر مشترياً صافياً للأغذية، وعلى الأخص تلك الأسر المهددة بالاستبعاد من إنتاج الوقود الحيوي السائل، مثل الأسر التي ترأسها نساء، سوف تتأثر بصورةٍ سلبية أيضاً. وتقع أغلب هذه الأسر في أقل البلدان نمواً، وعلى الأخص في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض ضمن فئة المشترين الصافين للأغذية. ففي ملاوي وبنغلاديش على سبيل المثال، لا يوجد سوى 11.8 في المائة و15.7 في المائة من الأسر، على التوالي، ضمن البائعين الصافين للأغذية الأساسية، مع ارتفاع النسبة المئوية في المناطق الريفية وانخفاضها في المناطق الحضرية. أما في الأسر الريفية الفقيرة التي يعيش فيها الفرد على أقل من دولار واحد في اليوم، فإن نسبة البائعين الصافين تنخفض إلى 8.6 في المائة في بنغلاديش وإلى 7.6 في المائة في ملاوي.
ميزانية الطعام في الأسر الفقيرة
تنفق الأسر الريفية الفقيرة ما بين 50 في المائة و70 في المائة من ميزانيتها على الطعام. وبالإضافة إلى ذلك، ففي الأسر ذات الدخل المنخفض تستأثر السلع الغذائية الأساسية مثل الذرة والقمح بالجزء الأكبر من إنفاقها على الغذاء. وقد تقل كثيراً فرص حصول هذه الأسر على الغذاء. كما أن ارتفاع أسعار الأغذية ينقص من القوة الشرائية للأسر المشترية الصافية للغذاء، مما يضر بشراء السلع والخدمات الأخرى مثل مياه الشرب، والرعاية الصحية، والتعليم، والإضاءة، وكلها تمثل مدخلات هامة في تغذية الأسرة، بالإضافة إلى أنها عناصر أساسية، في الوقت نفسه، في رفاه أفراد الأسرة وحالتهم الصحية.
ويبدو أن خسائر أو مكاسب الرفاه المرتبطة بارتفاع أسعار الأغذية ليست موزعة بالتساوي بين الأسر التي ترأسها نساء وتلك التي يرأسها رجال. فطبقاً لتقديرات المنظمة، ففي أغلب العينات الريفية والحضرية والوطنية، كانت الأسر التي ترأسها نساء تتعرض لخسائر الرفاه بأكثر مما تتعرض له الأسر التي يرأسها رجال، أو تجني مكاسب أقل. وينطبق ذلك على السكان ككل وعلى الفئات الأكثر فقراً من هؤلاء السكان.
وعندما تنتشر الأسر التي ترأسها نساء بشكلٍ كبير بين الفقراء، أو أن تكون هذه الأسر أكثر ميلاً إلى الفقر، فالمتوقع أن تكون خسائرها من الرفاهية كبيرة، نظراً لأن الأسر الفقيرة تنفق نسبة مئوية كبيرة من دخلها تفوق تلك التي تنفقها الأسر الغنية على الغذاء. ولكن، حتى عندما تنتشر الأسر التي يرأسها رجال بصورةٍ كبيرة بين الفقراء، فإن الأسر التي ترأسها نساء قد تكون خسائرها أكبر في مجال الرفاهية، كما هو الحال في نيكاراغوا. ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين. أولهما، أنه لوحظ في ظروفٍ عديدة مختلفة، أنه عندما تتساوى جميع الأمور الأخرى، فإن النساء يملن إلى إنفاق قدر من دخلهن على الأغذية يفوق ما ينفقه الرجال. وثانيهما، كما سبق أن قلنا، إن فرص الأسر التي ترأسها نساء أقل من فرص الرجال في الحصول على الأراضي ورأس المال والتكنولوجيا والدخول إلى الأسواق، وبالتالي فإنهن أقل قدرة على المشاركة في الإنتاج الزراعي التجاري والاستفادة من ارتفاع أسعار السلع الزراعية.
وأخيراً، فإن ارتفاع الطلب على الوقود الحيوي السائل قد يجعل أسعار الأغذية أقل استقراراً. وسوف يكون لذلك تأثيراته السلبية على الأسر الفقيرة والمجموعات الضعيفة بالذات، بما في ذلك النساء، اللائي يتعرضن لانعدام الأمن الغذائي المزمن والمؤقت، بسبب فرصهن المحدودة في الحصول على أنشطة مدرة للدخل.